د. زكريا ملاحفجي
لطالما كانت قضية الأحزاب الكردية محورًا هامًا في المشهد السياسي للشرق الأوسط، إذ تمتد جذورها إلى عقود من الصراعات والمطالب القومية. وفي العقود الأخيرة، برز عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، كأحد الشخصيات الأكثر تأثيرًا في هذه القضية. أحدثت تصريحاته، سواء من داخل السجن أو قبله، تأثيرًا كبيرًا على مجريات الأحداث السياسية والعسكرية في تركيا وسوريا والعراق، بل وحتى إيران.
لكن كيف تأثرت القضية الكردية بعد آخر تصريحاته؟
منذ اعتقاله عام 1999، ظل أوجلان يلعب دورًا بارزًا في توجيه الحركة الكردية، حيث أطلق في مراحل مختلفة دعوات لوقف إطلاق النار أو التفاوض مع الدولة التركية. لكن تصريحاته الأخيرة، التي دعا فيها إلى الحل السلمي ورفض العنف كوسيلة لتحقيق المطالب الكردية، حملت دلالات عميقة.
في سياق هذه التصريحات، بدا أوجلان أكثر ميلاً للحوار مع الدولة التركية، مؤكداً على ضرورة إيجاد حل سياسي يضمن حقوق الأكراد في إطار الدولة التركية الموحدة. هذه الرسائل تزامنت مع تراجع نفوذ حزب العمال الكردستاني عسكريًا، خاصة بعد الضربات التي تلقاها من الجيش التركي لاسيما في شمال العراق وسوريا.
على الصعيد التركي، جاءت تصريحات أوجلان في وقت حساس للغاية، رغم أن الدولة التركية لم تبدِ استجابة واضحة لدعوات أوجلان للحوار، وفوراً ظهر تصريح لمظلوم عبدي والذين كانوا دوماً يرفعون صور أوجلان وشعار “لا حياة بدون القائد”
إلى التصريح من قسد فوراً أن هذا الخطاب لا يعني قسد.!
أما تأثير تصريحات أوجلان على تركيا والمجتمع الكردي في المنطقة، سوف تؤثر قطعاً ولو تبرأ مظلوم عبدي الذي يرأس قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، التي يقودها الأكراد، على مناطق واسعة شمال شرق البلاد ويعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) – الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني – أحد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، ورغم تماهيه مع بعض أفكار أوجلان، فإنه يواجه ضغوطًا كبيرة من القوى الإقليمية والمحلية لاسيما بعد التحرير وتمترس قسد في المنطقة
أما في العراق، يختلف الوضع قليلاً، حيث يتمتع إقليم كردستان بحكم ذاتي منذ التسعينيات، لكن هناك انقسامًا واضحًا بين الأحزاب الكردية حول العلاقة مع تركيا. فبينما تحافظ حكومة الإقليم، بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني (KDP)، على علاقات جيدة مع أنقرة، يواجه حزب العمال الكردستاني عمليات عسكرية تركية متكررة في جبال قنديل. تصريح أوجلان أثار جدلاً داخل الأوساط الكردية حول جدوى استمرار القتال مقابل البحث عن حلول سلمية.
بينما تفاوتت ردود الفعل تجاه تصريحات أوجلان، فبينما رأى البعض أنها خطوة إيجابية نحو السلام، اعتبرها آخرون محاولة لاحتواء الضغوط المتزايدة على حزب العمال الكردستاني.
أما دوليًا، لم تحظَ التصريحات باهتمام كبير، خاصة أن الأولويات الدولية حاليًا تتركز على قضايا أخرى مثل الصراع الروسي الأوكراني، والاضطرابات في الشرق الأوسط.
أما تركيا، فقد تعاملت مع تصريحات أوجلان بحذر واهتمام والأمر أصلاً بدأ بانفتاح متدرج وصولاً للخطاب.
مستقبل القضية الكردية بعد تصريحات أوجلان
رغم أهمية تصريحات أوجلان، فإن مستقبل القضية الكردية لا يعتمد عليه وحده، بل يتوقف على عدة عوامل، منها الموقف التركي الرسمي، ووحدة الصف الكردي، والدعم الدولي لأي حل سياسي. حتى الآن، يبدو أن الحلول العسكرية لا تزال مهيمنة، خاصة مع تعثر المفاوضات مع قسد بسورية
في المقابل، يمكن أن تؤدي هذه التصريحات إلى إحياء المسار السياسي للموضوع الكردي، لكن في ظل الظروف الحالية، يبدو أن الطريق لا يزال طويلًا أمام أي حل المشاكل نهائياً في المنطقة.