زكريا ملاحفجي
بظل الصراع المتنامي في الشرق الأوسط ضد مليشيات ووكلاء إيران في المنطقة، يتطلع النظام السوري إلى البقاء بل ولعب دور بالشرق الأوسط الجديد، ولتحقيق ذلك لابد من الصمت والتعاون مع محور إسرائيل، وتقديم كل ما تحتاجه اسرائيل بما يخص المليشيات الإيرانية في سورية وغيرها مقابل بقاؤه في السلطة.
فبعد مقتل حسن نصر الله هناك تصعيد مع تصميم كبير على إنهاء دور الحزب في لبنان والمنطقة ولدى الأسد فرصة وهي جلية اليوم من خلال تصرفات بشار الأسد الحالية أن يكون الأسد أداة رئيسيه لتنفيذ مخطط تشكيل شرق أوسط جديد يهدف الأسد أن يكون هو جزء منه.
فمقابل بقاء بشار الأسد في السلطة الأسد مستعد لتقديم كل شيء مقابل ذلك وقد سبق ذلك الأسد الأب بتقديم الجولان وإعلان سقوطه قبل السقوط الحقيقي، وأُسقط بيد الضباط الموجودين في الجبهة يومها، والأسد الابن اليوم الذي وهب ومنح المنشآت الحيوية في سورية إلى حلفائه بهدف بقاؤه في السلطة فهذا السلوك من الأسد بات معروفاً وبديهياً.
وهنا نرى التحولات الملموسة لنظام الأسد من خلال تقديم التعاون الأمني لإسرائيل لضرب المراكز والشخصيات الإيرانية، وتحدث بذلك عدد من المسؤولين الإيرانيين، وأشاروا إلى الأسد وتحدثوا أن انتشارنا بسورية جعل القيادات والمستشارين عرضة للاستهداف نتيجة خرق أمني كبير، وليس ببعيد اليوم الظروف الغامضة حول موت لونا الشبل، تجعل المستحيل ممكناً في سورية مملكة الصمت.!
فيستطيع نظام الأسد اليوم أيضاً أن يشكل حاجزاً مانعاً للتواصل جغرافياً ولوجستياً بين إيران ولبنان عبر الجغرافية السورية، وذلك يؤدي لمنع إعادة تشكيل قوة حزب الله وترميم نفسه ويمكن أن يلعب الأسد دوراً ولو محدوداً في لبنان لصالح اسرائيل خاصة على الحدود بمقابل عدم استهدافه وبقاؤه.
النظام يجيد لعبة الوقت وينتظر البازار الإسرائيلي، والنظام رغم حلفائه الإيرانيين والروس لكن ما يهمه وعينه دوماً على الأمريكي وبوابته إسرائيل فهو المؤهل لمساعدته في رفع أو تخفيف العقوبات عنه وإعادة تأهيله بعد مواقفه الإيجابية مع إسرائيل ووقوفه محايد وخاصه من غزة ثم لبنان واليوم في سورية بعد أن اجتاحت إسرائيل الجنوب السوري عبر تجاوز حاجز الألغام في محافظة القنيطرة، بعد انسحاب نقاط المراقبة الروسية من المنطقة، ووضع إسرائيل عربات ثقيلة وآليات داخل الأراضي السورية وسط مخاوف من أنها قد تحاول ضم كامل مرتفعات الجولان وجبل الشيخ، وأصبحت إسرائيل على مسافة 47 كم من دمشق، وتحدثت أطراف دولية أن بشار الأسد لن يجابه توغل إسرائيل في القنيطرة، وبنفس الوقت تتحدث صحف النظام عن التعزيز في الشمال وعن عمليات للجيش السوري وتصوير استعداده لرد تهديد يأتيه من قبل هيئة تحرير الشام، وتُغفل الصحف تماماً ما يجري بالجنوب.
بالمقابل يستمر النظام بتطبيق تغيير التركيبة السكانية ومنع الأكثرية المعارضة من أي تفاوض سياسي حقيقي ولا حتى على الدستور، أو إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، فهو دوماً يتجنب أي تفاوض أو نقاش جاد، فالأسد يريد تفرده وبقاؤه في الحكم مهما كلف ومهما طال الزمن.
ويستمر الأسد بنهج الاحتفاظ بحق الرد والصمت الأسود ويحقق كل الطلبات ليثبّت نفسه في الشرق الأوسط الجديد.
يبدو أن نظام الأسد أدرك طريق اللعبة السياسية الحالية وينتظر الوقت ليثبت أوراق اعتماده الجديدة لذلك سيحافظ على الصمت وسيقدم مزيد من التعاون بإعطاء المواقع الإيرانية وسيسعى لمزيد من الحد العسكري الإيراني بسورية، وهو ما فعله بإغلاق مكاتب التجنيد التابعة للمليشيات الإيرانية في السيدة زينب وحلب. وصمت مطبق عن الدخول الإسرائيلي في الجنوب وسيوجه أدواته الإعلامية كما يفعل حالياً إلى الشمال فقط، ورفض أيضاً أي تفاوض مع الأتراك وسوف يصوّر أي معركة في الشمال مهما كانت محدودة أنها من قبل هيئة تحرير الشام فقط، أو يفتتح معركة جزئية لهدف آخر.
كما أنه يترقب الانتخابات الأمريكية وبحال صعود الديمقراطيين سيكون هناك توجه الديمقراطيين للتهدئة مع الإيرانيين وأقل فاعلية للبيت الأبيض بما يخص سورية كما جرى في حقبة بايدن وصمت البيت الأبيض على مسألة التطبيع والانفتاح على الأسد.
واليوم أحوج ما تحتاجه المعارضة هو تماسك البيئة الداخلية في مناطق المعارضة والسعي لخلق فاعلية قوية وتأثير في مناطق المعارضة مع قراءة واقعية للصراع المندلع في المنطقة والاستفادة منه لاسيما سيسبب إضعاف حتمي لوكلاء إيران في المنطقة، لكن الأسد يدخل بلعبة جديدة للبقاء وتضييع سورية التي مزقها ودمرها وعمل على تأجير منشآتها الحيوية لعشرات السنين.
فهو يتطلع لدور له في الشرق الأوسط الجديد.