أ.همام علي الجاسم
مقدمة : تواجه مناطق شمال سوريا، في ظل الأحداث المضطربة التي تمر بها ، تحديات جسيمة تهدد نسيجها الاجتماعي. من أبرز هذه التحديات تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات، والتي باتت تؤثر بشكل كبير على فئة الشباب بشكل خاص. وفقاً لإحصائية أولية أجراها مركز الحوار السوري في مدينة حلب شمال سوريا عام 2022، أن نسبة المتعاطين في شمال سوريا وصلت إلی حدود ٪8 من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً، (1) وهذه نسبة مرتفعة جداً مُقارنةً بالمعدلات العالمية، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمكافحة هذه الظاهرة، إلا أنها لا تزال تشكل تهديداً خطيراً على مستقبل الأجيال الشابة. وبالتالي فان التصدي والحد من انتشارها كان واجبًا أخلاقيًا وإنسانيًا. في هذا السياق، تبرز أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه مراكز التأهيل في الحد من انتشار المخدرات وتوفير رعاية نفسجية للمتعاطين.
أولا: تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات في شمال سوريا – حجم المشكلة وأبعادها :
كشف تقرير حديث صادر عن المركز السوري لمحاربة المخدرات -مؤسسة مدنية مستقلة متخصصة في محاربة المخدرات وعلاج الإدمان والتعاطي- عن زيادة مقلقة في نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب في مناطق شمال غرب سوريا خلال العامين الماضيين. وفي استبيان لحسن جنيد مؤسس المركز يذكر لـ”سوريا على طول“ – منظمة صحافية غير ربحية، تُعنى بتغطية التطورات داخل سوريا – قال: 21% من المشاركين في الاستبيان أن الحصول على المخدرات في مدن الباب واعزاز وعفرين بريف حلب سهل جداً، بينما قال 37% بأنه سهل، و22% صعب قليلاً، و6% صعب، و14% صعب جداُ”. وأشار إلى أن الحصول على المخدرات أصبح أمراً سهلاً في العديد من المناطق، خاصة في مدن الباب، اعزاز، وعفرين.(2) وبحسب تقرير لجريدة الشرق الأوسط في غضون أقل من عام، سجلت القوى الأمنية والدوائر القضائية العاملة بمناطق العمليات التركية أو كما تعرف بمناطق «درع الفرات وغصن الزيتون»، شمال حلب، نحو 774 ضبطاً، تتعلق بالمواد المخدرة (مثل الحشيش والكبتاغون والأتش بوز) والاتجار بها وتهريبها من مناطق النظام. كما تم القبض على 1195 شخصاً بتهم ترويج وتجارة المخدرات والتعاطي بها، وفقاً لشهادات أدلت بها مصادر أمنية وجهات متخصصة بمحاربة المواد المخدرة والتوعية منها ومعالجة المتعاطين. (3)
وفي سياق مشابه أشارت الباحثة أ. كندة حواصلي خلال استضافتها على قناة حلب اليوم إلى أن التعاطي مع المخدرات في سوريا أصبح يشمل جميع الفئات، بما في ذلك النساء والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة. هذه الفئة قضت طفولتها في ظل الصراع، مما يزيد من خطر مستقبلهم ومساهمة في إعادة بناء الدولة. كما تناولت حواصلي تحليل الشرائح العمرية والجنس ومكان الإقامة ومستوى الدخل، حيث كانت النسب الأعلى للتعاطي في الفئات العمرية الأصغر. وأكدت أن المروّجين يستهدفون هذه الفئة لتسهيل السيطرة عليهم وتحويلهم إلى مروّجين وبائعين. بالإضافة إلى ذلك، أشارت إلى توريط النساء في هذه العمليات ليس فقط كمتعاطيات بل أيضاً كمروّجات وشريكات في الاتجار. ودعت إلى ضرورة تحرك منظمات المجتمع المدني والجهات المعنية بشكل عاجل لمواجهة هذه الظاهرة قبل تفاقمها. (4)
إن سهولة الحصول على المخدرات وانتشارها الواسع في هذه المناطق يشكل تهديداً خطيراً على صحة الشباب ومستقبلهم. ولكن، من المهم أن ندرك أن الإدمان هو مرض معقد يتطلب علاجاً شاملاً لا يقتصر على الجانب الطبي فقط، بل يشمل أيضاً الجانب النفسي والاجتماعي. وفي هذا السياق، سأعرج في الفقرة التالية على أهمية الدور الذي تلعبه برامج التأهيل في مساعدة المدمنين على التغلب على إدمانهم والعودة إلى الحياة الطبيعية.
ثانيا : برامج التأهيل ودورها في إعادة دمج المدمنين في المجتمع :
إعادة التأهيل النفسي الاجتماعي هي عملية تهدف إلى توفير الفرص للأشخاص الذين واجهوا ظروفًا صعبة أو صدمات أثرت على حياتهم، مثل مدمني المخدرات الذين يحتاجون إلى علاج متخصص للتخلص من الإدمان وآثاره، بالإضافة إلى إعادة دمجهم في المجتمع. كما تشمل هذه العملية الأفراد الذين يعانون من أمراض عقلية مزمنة، حيث تساعدهم مراكز إعادة التأهيل على تحقيق مستوى أعلى من الاستقلالية وتحسين جودة حياتهم.. يعالج الفريق السريري المصابين من خلال تثقيف العائلات وضمان حصول العملاء على الأدوات التي يحتاجونها ليصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع. بالإضافة إلى تحسين نوعية حياة طالبي العلاج بشكل عام، تضمن مراكز التأهيل أيضًا حصول المصابين على الموارد اللازمة لمعالجة مشكلاتهم الصحية.(5) ومع ذلك، إن عدد مراكز إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي محدود في مناطق شمال سوريا حتى وقت قريب، رغم الزيادة المقلقة في معدلات المدمنين والمرضى حيث ما زالت زيارة مراكز العلاج وإعادة التأهيل في الوسط الاجتماعي تُعتبر أمرًا محط خجل في نظر أغلبية افراد المجتمع . كما يشير الإخصائيين النفسيين إلى وجود مجموعة متنوعة من البرامج التي تهدف إلى إعادة تأهيل المدمنين، ولكل برنامج أهدافه وطريقة تنفيذه الخاصة. من أبرز هذه البرامج:
- برامج رفع المهارات المهنية: تهدف هذه البرامج إلى تجهيز المدمنين بالمهارات اللازمة لسوق العمل، مما يساهم في رفع ثقتهم بأنفسهم واندماجهم في المجتمع.
- التدريب المهني: يركز هذا النوع من البرامج على تدريب المدمنين على مهارات عملية محددة، مما يشغلهم ويوجه طاقتهم نحو أمور إيجابية.
- برامج تثقيف الأسرة: تهدف هذه البرامج إلى إشراك أسرة المدمن في عملية التعافي وتزويدهم بالأدوات اللازمة لدعمه.
- دعم القبول الاجتماعي: يسعى هذا النوع من البرامج إلى تغيير نظرة المجتمع للمدمنين المتعافين وتشجيعهم على الاندماج.
- المشاركة في العمل التطوعي: يساعد العمل التطوعي المدمنين على تغيير نمط حياتهم وإيجاد هدف جديد.
- برنامج الإثني عشر خطوة: يعتمد هذا البرنامج على أسس روحية ودينية لمساعدة المدمنين على التخلص من الإدمان والتزام نهج جديد في الحياة. (6)
ثالثا : مراكز العلاج من الإدمان – بصيص أمل في شمال سوريا :
في خطوةٍ نوعية لمواجهة تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات في شمال سوريا، افتتحت جمعية الهلال الأخضر السوري بالتعاون مع مديرية صحة أعزاز، أول مركز متخصص لعلاج الإدمان في المنطقة منذ عام. يقدم المركز خدمات علاجية متكاملة تشمل العلاج النفسي والسلوكي والدعم الدوائي، ويستهدف جميع الفئات العمرية. يستقبل المركز شهرياً بين 20-30 مريضا إما بشكل طوعي أو عن طريق البلاغات من الأهالي. كما يضم فرقاً متخصصة لعلاج المدمنين في المنازل وأخرى لعلاج المدمنين في السجون. (7) . تروي قصص نجاح العديد من المتعافين في شمال سوريا، مثل (ش.م) الذي تغلب على إدمان الكبتاغون والاتش بوز، قصة كفاح وعزيمة بفضل برامج التأهيل التي يقدمها المركز. إن هذه القصص المشجعة تؤكد فعالية هذه البرامج في مساعدة المدمنين على استعادة حياتهم. ومع ذلك، لا تزال هذه المراكز تواجه تحديات كبيرة، منها قلة عددها مقارنة بالاحتياجات المتزايدة، ووصمة العار الاجتماعية المرتبطة بالإدمان، والتي تمنع الكثيرين من طلب المساعدة. في ظل هذه الظروف، فإن افتتاح المزيد من مراكز التأهيل المتخصصة في مختلف المناطق يعد ضرورة ملحة. فالتوسع في هذه المراكز سيساعد على الوصول إلى عدد أكبر من المدمنين، وتقديم الدعم اللازم لهم، وبالتالي الحد من انتشار هذه الآفة الاجتماعية التي تهدد مستقبل الأجيال القادمة.
الخاتمة والتوصيات:
تشكل ظاهرة تعاطي المخدرات في شمال سوريا تهديدًا خطيرًا لمستقبل الأجيال الشابة. ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة، فإن برامج التأهيل تمثل بصيص أمل في مكافحة هذه الظاهرة. ومع ذلك، يتطلب نجاح هذه البرامج تضافر جهود جميع الأطراف، من الحكومة إلى المجتمع المدني، لتوفير الدعم المادي واللوجستي الضروري.
علاوة على ذلك، من الضروري تغيير النظرة المجتمعية تجاه الإدمان والمدمنين، وتحويلها من نظرة وصمة إلى نظرة تعاطف ودعم.
استنادًا إلى المسؤولية الإنسانية والأخلاقية، يجب إطلاق حملات توعية حول آثار تعاطي المخدرات وأهمية برامج التأهيل لجذب تفاعل المجتمع بشكل إيجابي. ينبغي على الحكومة المحلية توفير المزيد من التمويل والدعم للمراكز المعنية بمكافحة المخدرات وإعادة التأهيل، وزيادة عدد مراكز إعادة التأهيل لتلبية الطلب المتزايد وضمان توزيعها في مختلف المناطق المتأثرة. كما يجب تشجيع التعاون مع المنظمات الدولية للحصول على الدعم الفني والمالي اللازم لإنشاء برامج فعالة لمكافحة الإدمان. بالإضافة إلى ذلك، يجب إنشاء آليات لمتابعة المتعافين وتقديم الدعم المستمر لهم لضمان عدم انتكاستهم واندماجهم الإيجابي في المجتمع.
(1). مركز الحوار السوري، منظمة ميديجلوبال. (2022، 22 نوفمبر). الهَدم من الداخل… المخدِّرات؛ السلاح الخفيّ لتدمير المجتمع السوري. تم الاسترداد من https://linksshortcut.com/rBdwo
(2). ذياب، ب. (2023). في دائرة العنف: الإدمان على المخدرات في شمال سوريا يزيد من الانتهاكات ضد النساء. تم الاسترداد من https://linksshortcut.com/tpoCi
(3). كرم، ف. (2023). المخدرات تغزو شمال سوريا… وموجة جرائم مرتبطة بتعاطيها. تم الاسترداد من https://linksshortcut.com/EIHCt
(4). لقاء على قناة حلب اليوم. (2022، 29 نوفمبر). العمق السياسي – كيف حوّل الأسد وحليفه الإيراني سوريا إلى دولة للكبتاغون؟ [فيديو]. تم الاسترداد من https://www.youtube.com/watch?v=mqTx4F2J8wQ
(5) فيلا باراديسو إعادة التأهيل ” كيف تعمل إعادة تأهيل مدمني المخدرات؟” https://linksshortcut.com/lpKzu
(6) محي الدين، ريهام (2018) “الدمج المجتمعي للمتعافين من تعاطى المخدرات ” المجلة القومية لدراسات التعاطي والإدمان، المجلد الخامس عشر، العدد الثاني.
(7) الهلال الأخضر السوري (2023) https://sygreencresent.org/?page_id=1406 .