الكاتب لمى باكير
لا يخفى على المتابعِ المهتم بالشأن السوريّ بعينِ الموضوعية والتأني هولُ تعقيد هذا المشهد ومبررات مراوحته في مكانه، بل والتراجع في بعض المواطن، وليس أدلّ على هذه المراوحةِ مما نراه من إقصاء الفاعلِ الأبرز في أي تغيير منشود، وأقصد تماماً هنا فئةَ الشباب.
ثلاثة عشر عاماً من الصراع-الثورة، والفئة المنوط بها التغيير أبعد ما تكون بنفسها هي عن التغيير، فلا هم قادرون بأنفسهم على مواكبة تعقيدات المشهد بسبب الأهوال التي مروا بها ولا يزالون، في سوريا نفسها أو في مواطن النزوح.. ولا المحاولات الخجولة لمنظمات المجتمع المدني كانت قادرة على تأهيل وتوظيف هذا المكون الأساس ليكون قادراً على إحداث التغيير.
غياب تام عن المشهد، ابتعاد عن أي إطار مفاهيمي أو تنظيمي لأي تغيير مجتمعي، وهذا ليس غريباً تماماً في أنظمة دولٍ تربط وجودها دوماً بتجهيل مواطنيها. ناهيك عن انفصال هذه الشريحة كُرهاً عن انتمائها التاريخي وحيزها الجغرافي، ما جعلها في غربةٍ عن أي صلة مفترضة بمجتمعها.
عمل النظام السوري على التنشئة الموحدة المحددة بمواصفات تناسبه، وخلت سوريتنا من العمل الجماعي ومن التنظيمات الجامعة للتوجهات على كافة الصعد. صنع النظام السوري حاجزاً عازلاً بين المواطن وكافة القضايا الوطنية، وكنا في حالة تغييب كامل لا نعلم سوى تواريخ انتصارات مزعومة…. وغاب مفهوم الهوية المشكلة لنا، وطبعاً غياب الجهد الجماعي الذي بالضرورة سيفضي لتهديد سدنة أي نظام سلطوي.
ربما في جانب إيجابي أننا بالفطرة لم نكن طائفيين، لم يكن يعني للسواد الأعظم من المجتمع من هي الطبقة الحاكمة للبلاد، ظلت الآمال بسيطة والأحلام لها سقف لم يكن يتخطى حدود معيشة كريمة دون أدنى تفكيرٍ بما هو أبعد من ذلك.
جاءت ثورة آذار 2011، وحملت للشباب آفاقاً جديدة بصفتهم قادة الحراك الشعبي الثوري، فتحت أبواب المشاركة السياسية الفاعلة أمام الشباب، مما أعاد لهم ولهن القدرة على تقرير مصير مجتمعاتهم بعد عقود من غياب السياسة عن حياتهم. كانت ما حملته السنوات الماضية ذات طابع شبابي بامتياز، مع أمل دائم بأ ن ربيعاً حقيقياً سيصنعه الشباب، ليبني سورية جديدة تتجاوز الكارثة الإنسانية الهائلة التي تعانيها حتى الآن، والتكلفة الباهظة التي تم دفعها.
ولكن ما حصل أن الطريق لم يكن باليسير أبداً، لعبت الظروف اللاإنسانية التي عاشها الشباب السوري وعاشتها المنطقة ككل أثراً سلبياً على قدرة أولئك الشباب على بناء جسور الثقة والسلام فيما بينهم، كرس هذا النعرات الطائفية وانجرار الثورة إلى متاهات لم نستطع فهم سبر أغوارها حتى اللحظة، لم يستطع الشباب التواصل ولا حتى الاستماع ولا تحقيق تفاهم مشترك. والنتيجة هي جهات مترامية الأطراف غير قادرة على التعامل مع بعضها. ولا ننكر ان هذا العامل كان ولا يزال من المحركات الخطيرة للصراع السوري.
أخفقت كل الجهود التي بذلتها منظمات المجتمع المدني في إحداث أثر حقيقي جامع لفئة الشباب، ولا زالت المشكلات والعوائق ذاتها رغم كل التدخلات، شباب غائب عن التمثيل في الشأن العام ككل، عن التمثيل السياسي أو المدني، ناهيك عن تحول معظم الكفاءات لصيد لقمة العيش بعيداً عن تخصصاتهم ومؤهلاتهم، مع جنوح الفئة الأصغر منهم نحو تهلكات باتت رائجة في مجتمع مزقته الحرب وهنا نقصد المخدرات.
وككيانات نحتاج اليوم إلى الخروج من تصور النجاة الفردية، نحتاج اليوم إلى التفكير بأي طوق جمعي يحافظ على نسيجنا الاجتماعي، نحتاج للانتقال إلى مستوى آخر للعمل مع الشباب، ونقصد هنا مفهوم الهوية، مفهوم المواطن الفاعل في المجتمع، التعريف بالمسؤوليات والحقوق والواجبات، العمل على التعريف بالقرارات الدولية الخاصة به، أساسيات العمل المدني والعمل الجماعي ومخاطر المخدرات وخطورة التسلح والاقتتال الداخلي والطائفية، اليوم نحن بحاجة للاستماع لهم ومنهم ومنهن، بحاجة كسوريين أن نخلق تلك المساحات الحوارية الآمنة لنضع التوصيف الصحيح لقضايا الشباب، ونضع يدنا على المعوقات الحقيقية لابتعادهم واستبعادهم.
في سياق متصل تعددت التفسيرات حول أسباب عدم تحقيق تطلعات ومطالب الشباب، ما الذي أدى إلى خروجهم من المعادلة وما الذي جعلهم عازفين عن المشاركة والتأثير ولماذا عادوا إلى مواقعهم القديمة كمتفرجين. ولكن سواء كانوا مبعدين قسراً في الوضع الحالي، وجد الشباب أنفسهم محاصرين بين أنظمة وقوى سياسية معارضة ينتمي معظمها إلى الجيل القديم الذي فشل في تحقيق أي إنجاز سياسي أو مجتمعي يُذكر. بالإضافة إلى ذلك، يعاني الشباب من ضعف الموروث الفكري والسياسي والاقتصادي الذي قدمته هذه القوى، حيث يكاد يكون نتاجها هزيلاً وخالياً من التجارب الناجحة. هذا الغياب للثقافة والوعي السياسي والاقتصادي أدى إلى ضياع وتخبط فكري وإيديولوجي بين الشباب، مما ساهم ويساهم في استغلالهم من قبل التنظيمات الراديكالية المحافظة) الإسلامية منها والعلمانية (المتنفذة في سورية اليوم. إن الواقع الذي يعيشه الشباب السوري في ظل التشتت يعكس دراما الحياة في زمن الحروب والنزوح. إنه واقع معقد يتطلب تصميماً كبيراً وإرادة قوية للتغلب على التحديات المتراكمة.
الجانب المشرق الذي نراه هو ازدهار عمل وإبداع السوريين في أماكن لجوؤهم ونزوحهم، انفتاحهم على آفاق جديدة من العمل الجماعي والانخراط في الانشطة الاجتماعية والسياسية ولو بشكل يفتقر الى التنظيم الفكري والاداري، شبابنا هم اساس التغيير الديمقراطي المنشود، بتوجيه ودعم من الفئة التي عملت بصمت في العقود الماضية وتمتلك لمفاهيم العمل الجماعي.. توجيه الشباب وردم الفجوة واختلاف الاراء وتشجيع الاختلافات التي لا تفسد للود قضية.
وفي جانب آخر، لايمكننا فقط سرد المظلومية التي تتعلق باستبعاد الشباب وهيمنة الكيانات على مفاصل العمل فقد يكون لديهم رأي آخر قد نسرده في لقاء قادم..
لمى باكير