أ.حنان بديع

للبُخلِ أنواعٌ ونظرياتٌ وتفسيراتٌ عديدةٌ، كما أن له جذور نفسية مُعقدة احتار فيها العلماء، ذلك لأن أخطر ما فيه أنه ينتقلُ من المال إلى باقي جوانب الحياة، فالبخلُ المادي غالبًا ما يشمل البخل الانفعالي أيضًا، وهو ما نُطلق عليه بُخل الإحساس والمشاعر، عندما يُصبح الإنسان بعيدًا كليًا عن التعاطف والمُشاركة الوجدانيّة مع الآخرين.

فأي عقدة تلك التي زُرعت يومًا في نفوس البخلاء ليُصبحوا دائمي القلق، ومُشبعين بالأنانية وحب الذات؟

ومن الذي أقنع هؤلاء البخلاء بأنهم مُخلّدون في الأرض مثلًا، وأن أمامهم الوقت الأبدي لاحقًا لإنفاق ما جمعوا؟ بل وأن ممتلكاتهم وأرصدتهم في البنوك أهم من صحتهم وعَلاقاتهم، بل وأعمارهم التي تذهب دون رجعة؟!

هناك العديد من النظريات النفسيّة التي تتناولُ هوسَ الثراء والأمراض النفسيّة والاجتماعيّة للثروة، وتُحلل العلاقة الجدليّة القائمة بين المال والسعادة، وأغلبها يؤكد أن البخلَ من الصفات السيئة التي تظهر لدى الأطفال خلال سنواتهم الأولى، ويتمثّل في حرص الطفل الشديد على أشيائه الخاصّة، وعدم السماح للآخرين بالاقتراب منها، والميل للاهتمام بالنفس والذات، مع التركيز على المصلحة الشخصيّة والمتعة الذاتيّة دون اعتبارٍ للآخرين.

فهل البخلُ صفةٌ تولد معنا أم اضطراب بالشخصية؟ وما الذي يُفسّر صفة البخل لدى بعض الأفراد في الأسرة دون غيرهم؟

لا أحد يعلم، لكن الأكيد أن البخيل لا يثق في الغد، والزوج البخيل أسوأ من الزوج الخائن بالنسبة للمرأة، فالمرأة تحب الرجلَ الكريمَ الذي لا يبخل عليها بحبه ولا برعايته وأمواله…

لكن أغرب وأخطر درجات البخل، هو البخل على النفس، وهو ما فعلته هيتي غرين ودخلت موسوعة جينيس للأرقام القياسيّة العالميّة بلقب «أبخل شخصية في العالم»، حين تُوفيت بسبب سكتة دماغية إثر مُشاجرةٍ مع خادمتها التي طلبت زيادةً لراتبها البخس، فماتت وتركت وراءها ثروةً هائلةً، أما أبخل رجل في العالم، الذي تحوّلت قصته الواقعيّة إلى فيلم سينمائي، فهو الملياردير الأمريكي «بول جيتي» الذي لُقِّب ب «أبخل رجل في العالم»، واشتهر ببخله المرضي، إذ عندما قامت المافيا باختطاف حفيدِه في إيطاليا عام 1973 وطلبوا منه فديةً قدرها 7 ملايين دولار رفض دفعها، وقال لهم لا يزال عندي 14 حفيدًا، وموت واحد لا يعني شيئًا!

ربما هذا ما عبّر عنه الشاعرُ الروسيُ الكسندر بوشكين عندما قال: «البخيل شخص يعيش طيلة حياته دون أن يتذوقَ طعم الحياة»، وهناك مثل أمريكي يقول «البخيل على استعدادٍ دائمٍ حتى لبيع حصته من الشمس!» أما الكاتب الفَرنسي ميشيل دي مونتين، فيُقدّم نصيحته قائلًا: «لا تفعل مثل البخيل الذي يخسر الكثير لأنه لا يريد أن يخسرَ شيئًا!» أما أكثرهم حكمة برأيي الشخصي فهو أرسطو الذي كان يرى أن البخلاء يُكدِّسون وكأنهم يعيشون للأبد، وأن المُسرفين يُنفقون كما لو أنهم مُقبلون على الموت.

ولأننا لا نعرف متى يحين الموت، أجد أنه من الأفضل أن نكونَ من المُسرفين إذا كان لا بدّ من الاختيار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *