الشخصية الجذابة/ أ.رنا جابي
يقول دوستوفسكي واصفًا رجلًا كان معه في السجن:
كان جميع من في السجن يحبونه بسبب مرح طبعه وبشاشة وجهه…وكان يعمل بغير تذمر، هادئًا مسالماً بغير انقطاع…وكان يشمئز من السرقة والفسق والاحتيال والسكر…بل كان يغضب من هذه الأعمال غضباً شديداً، ولا يطيق أن يحتمل أي أمر معيب مشين مناف للشرف والكرامة. ولكنه لا يحاول أن يشاجر أحدًا…بل يكتفي بإشاحة وجهه مستنكراً مستاء، لم يقترف خلال إقامته سرقة ولا أتى أي عمل يمكن أن يحاسب عليه…وكان شديد التقوى كثير العبادة…فهو يؤدي صلاته كل مساء، ويصوم شهر رمضان…ويتمسك بدينه وكثيراً ما كان يقضي الليل متهجداً…كان جميع من كان في السجن يحبونه…ويرون أنه إنسانًا شريفًا حقاً…”
عندما قرأت هذا القول سألت نفسي: ما معنى الشخصية الجذابة؟ ولماذا يجذبنا بعض الأشخاص دون غيرهم؟
وكي أغني إجابتي سألت أصحاب الرأي…
منهم من ميّز الشخصية الجذابة بقلة الكلام والنظرة الحادة والهدوء وأردف قائلًا؛ هناك صفات متعلقة بالمظهر الخارجي أيضًا كالنظافة والأناقة والعطر..
ومنهم من اعتبر جمال اللسان واللغة وتوصيل المعلومة وطريقة التخاطب ولغة الجسد المتناسبة مع الحوار هي الصورة المثلى للشخصية الجذابة واعتبرها قلبًا وليست قالبًا…
والبعض قال: خفة الظل والرقي والأدب والهندام الجميل والرائحة العطرة وأكد على أن من امتلك الجمال وافتقد لأدبيات السلوك فقد الجمال والجاذب معًا…
وهناك من قال: هي الشخصية التي تمتلك النظافة والأناقة وحسن المظهر وأدب الحوار والاستئذان قبل الانصراف…
والبعض قال: هي الشخصية اللطيفة الدافئة الكريمة في التعامل والتي تهتم بالآخرين وتشعرهم بقيمتهم وقبل هذا كله الصدق…
ومنهم من قال: هي الشخصية الناضجة التي استطاعت أن تتحرر من عقدها العالقة بسبب التربية والأقفال التي يفرضها المجتمع فتصبح أكثر إشراقا وتبسمًا (فمًا وعينًا وقلبًا… )
وبعضهم قال: هي الابتسامة التي تملأ العيون والشفاه بالإضافة إلى ملامح الوجه المريحة التي تشعرنا بالقرب منها….
وبعضهم نسب الشخصية الجذابة لحسن الخلق وأناقة المظهر وطيب الكلام والتحلي بالفضائل والقيم الحميدة وصاحبة الأيدي البيضاء حيث تقدم المساعدة دون طلب منها وأن تبتعد عن الرذائل من حسد وحقد وغيبة وفتنة وأن تتحلى بالتسامح والصبر وتقديم النصيحة بطريقة ودية
ومنهم من ذهب إلى أعمق من ذلك فقال: هي الروح التي تشعر بها وتشعر بك وتحس بأن هناك قواسم مشتركة أو قرابة دم وهي إشعاع يجذبك نحوها بغض النظر عن جمال المظهر وأناقته..
والبعض قال؛ إن من الصعب جدًا بل من المستحيل وضع عناصر محددة للجاذبية فهي موضوع نسبي يختلف من إنسان إلى آخر كبصمات الأصابع وربما تتعلق بالأرواح فإما أن تأتلف أو تختلف وإن أكثر ما يجذب في شخصية المرء هو العقل وطريقة التفكير السليم والمنفتح والواسع الأفق والبعيد عن السب والشتم والذي يعبر عن آرائه بأقل الكلمات وأكثرها دلالة ويرى في آراء الآخرين إضافة مفيدة لعالمه منخفض الصوت مستمعًا ومنصتًا جيدا فلا يقاطع متحدثًا ويغني حديثه بالشواهد بالإضافة إلى النظافة وأناقة الهندام…
ومنهم من فصل بين شخصية الرجل والمرأة فقال: عند المرأة؛ هي الشخصية التي تتميز بالقوة والذكاء والثقافة والصوت الرخيم
أما عند الرجل؛ أن يكون ذو فكر وأن يجيد الحوار واختيار الملابس..
ومنهم من رآها عند المراة تتمثل بالأنوثة والبساطة والصدق والثقة والرقي وعند الرجل؛ بالصدق والكرم والأمانة واحترامه لذاته ولمن حوله …
كل هذا جميل جدًا! ولكن هناك شخصيات تجذبك قبل أن تكلمك وتسحرك دون أن تحاورك فما السبب يا ترى..؟
أيضًا في عصر “الإنترنت” والتواصل الاجتماعي هل تغيرت النظرة إلى ما يميز الشخصية الجذابة؟
باعتقادي ليس هناك سببًا واحدًا ومحددًا للشخصية الجذابة فهي شخصية تسحرك بحضورها وتأسرك بنظرتها وتجذبك بالهالة التي رُسمت حولها وتأخذك في رحلة بحث جميلة بغموضها البريء وغير المصطنع، هي حالة تشبه البدر في الليالي المظلمة وتمتاز بالأناقة في كل شيء…
وعندما تقترب منها يتعمق هذا الإنجذاب أو ينتهي…
ولا أنكر أني ممن تسحره الكلمة وأعتبر بأن لغة المرء هي جواز مرور إلى القلوب فأنا أنتمي إلى معشر النساء ونحن مخلوقات سماعية تسمع وتفكر بقلبها فالشخصية المفعمة بالذكاء واللغة التي تعبر عن الثقافة والسمو تحوزعلى الجانب الأكبر من الجاذبية ضف إلى ذلك جمال المظهر والأناقة والعطر فلكي تكون الشخصية جذابة يجب أن تنبض بالجمال ليكون حضورها ساحرًا وعندما تتعمق العلاقة تبحث عن الصدق ويصبح السؤال الملّح هل الكلام يشبه المواقف؟ وهل الصدق ديدن هذه الشخصية لتفرض احترامها على الآخرين؟ فجلّ جاذبية المرء تأتي من صدقه مع ذاته ومع الآخرين فهل هذه الشخصية صادقة أم أنها كالطبل عالي الصوت خاوي المحتوى؟ وهنا إما أن ترتفع في عيوننا وتستقر في قلوبنا أو تهوي إلى أسفل السافلين..
ولكن دون أدنى شك إن المروءة والرجولة والحنان وأناقة الحرف والمظهر والجرأة والعند أمام التحديات والابتعاد عن القسوة والعنف والحقد والكيد والنأي عن الثرثرة وسفاسف الأمور أجمل ما يجذب في شخصية الرجل.
أما الأنثى؛ فأجمل جاذب في شخصيتها هو الأنوثة المفرطة فرغم أن البعض يظن أن دور العلم والعمل تحجب هذه الصفة عن النساء أنا أرى أن الأنوثة لا تترجم إلى أشياء ظاهرة هو سر خفي تحمله بعض الإناث حتى في مجالات العلم والعمل يظهر في ابتسامتها الرقيقة وملابسها الأنيقة ومشيتها البعيدة عن الميوعة أو الخشونة والصوت المتناغم بين الرقة والجدية بالإضافة إلى الفكر والثقافة وجمال الأبجدية أما خارج مجال العمل والعلم فالشخصية الجذابة تظهر أنوثتها كاملة بجلستها الملكية وبعدها عن الثرثرة والاهتمام بالتفاصيل المقيتة المميتة …
ولعل أجمل ما يميز شخصية المرأة والرجل معًا هو أناقة المظهر وقلة الكلام واختيار الألفاظ فمن جمال الثغر يستحلى المقال…. بالإضافة إلى الغموض ليسعى الكل إلى معرفة ما وراء النظرة والابتسامة وأهم من كل ما ذكرت الصدق مع النفس ومع الآخرين…
وفي عصر التواصل الاجتماعي باتت لغة المرء هي السفير والممثل لشخصيته الجذابة فكم قامت علاقات على أعمدة الفكر واللغة الواحدة وكم ولدت قصص حب واستمرت ونجحت بسبب جاذبية اللغة والثقافة فقط وبعيدًا عن أناقة المظهر..
ولكن أعود للقول بأن أهم مميزات الشخصية الجذابة أن تكون بليغة الحرف ياسمينيّة الأبجدية مسكيّة العبق ملكية المظهر.
رائع السرد ..