أ. عادل سميح

في البداية كنت أكره الغبار ..ذلك أن أمي التي رحلت في الأربعينات من عمرها بسبب مرض صدري كانت تخشى الغبار كثيرًا وكانت كلما تعرضت له تسعل بشدة فترسم وشمًا أسود يلطخ صباي عندما تناديني بسرعة لإحضار كأس ماء فتشربه على دفعات فيهدأ السعال ويظل قلبي مرتجفا وأنا أسألها: كيف للماء أن يزيل أثر الغبار؟!!
فأجابتني على سؤال آخر لم أسأله وقالت: منذ رحيلك تمكن مني الغبار …في غيابك أصبح يقتلني الغبار..
بعد أسبوعين وقبل انتهاء عطلتي السنوية كانت قد رحلت وسمعت مناديا ينادي في السماء: رحل الغبار إلى الغبار..عش كما شئت سيقتلك الغبار ذات مساء
في المنتصف…
لو أن الله اخترع كائنًا بشريا يجيد إزالة الغبار من على القلوب بمسحة من يده لكنت أنا ذلك الكائن بدون منازع..
كل ما أجيد فعله ببراعة تامة هو أن أزيل الغبار العالق بالقلوب المتعبة والمثقلة بالأسى وبعدها أدير وجه صاحبها نحو المرآة فيصعقه أن يرى نفسه بهذا الجمال وهذا الكمال
وقبل أن يسألني كيف فعلت هذا كنت أجيبه …لست أنا.. إنه الغبار ..وكل ما عليك ألا تجعله يحتل قلبك مرة أخرى وعليك أن تتعلم كيف تمسحه بنفسك مستقبلا لأنني رجل أرحل مع الغبار.. الذي أمسحه..
في النهاية
عرفتها..كان الغبار يكسو قلبها بصورة مرعبة تكاد تمنع النبض فيه ولكن يدي المدربة أعادت النبض وأزاحت الغبار المتراكم منذ سنوات طويلة عن قلبها وعندما أدرت كعادتي وجهها نحو المرآة لتعرف كم هي جميلة وكم هي ساحرة حدث أن قالت لي : انظر
فرأيت وجهي في المرآة للمرة الأولى في حياتي ومدت يدها الرقيقة إلى قلبي الغارق في العدم ومسحت غبار العالم كله في ثانيتن، ثم أدارت وجهي نحو عينيها وقالت : ماذا ترى الآن؟
صرخت فزعا: رأيت وجه أمي
ضغطت برفق علي أصابعي وهي تهمس في أذني: أنجبتك ذات مساء
…من الغبار الي الغبار أطير.

من rana

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *