الفن والتربية
رنا جابي
كلنا يدرك أن سحر الشاشة بات يهيمن على العقول والسلوك وأن الصورة البصرية تتصدر اهتمامات البشر على اختلاف اهتماماتهم وأصنافهم ولغاتهم وكلنا يعرف أيضًا أهمية الفن في حياة الشعوب بل ونعترف باقتحام التكنلولوجيا لوجدان الإنسان في القرن (21) القرن الذي اخترقت به الشاشة حياتنا واجتاحتها أيم اجتياح فالتلفاز الذي اجتمعت حوله الأسرة في القرن الماضي بات تراثًا وأثرًا قديمًا حيث أصبحت الشاشة محمولة إلى غرف المنزل كلها والشارع ووسائل المواصلات وأماكن العمل لذا أصبحت الشاشة أكثر ثأثيرًا حيث لا مفر منها إلا لمن اختار الابتعاد عنها وهذا بالطبع يتطلب إرادة فولاذية…
ومما لا شك فيه أن ما يُطرح فنيًّا يهيمن على عقول الناشئة فإن كان جيدًا قوّم السلوك وهذّب الأخلاق وغيّر المسارات وإن كان رديئًا أساء للمجتمع وحطم مستقبًلًا واعدًا على الجيل الجديد حمله
وما نراه اليوم من سفه وتدني أخلاقي يعرض على الشاشات تحت مسمى “الدراما الرمضانية” يسيء للمجتمع العربي وصنّاع الدراما إساءة يندى لها الجبين فأهل الفن مسؤولون مسؤولية مباشرة إلى ما وصل إليه الجيل الجديد من تدني ثقافي وأخلاقي ولغوي ..
ومن المعروف أن العقل البشري أقدر على حفظ الشعر من النثر والدماغ أسرع في حفظ الأغنية المسموعة عن المكتوبة فنحن نحفظ الأغنية بسرعة فائقة بينما نأخذ وقتًا أطول لحفظ الأبيات غير المغناة.
ورغم أني لست من عشاق الشاشة إلا أن الفضول والقامات الموجودة فيه دفعني للمتابعة…
طرح المسلسل كل الموبقات من سرقة وقتل وشرب المسكرات والمكائد وانحلالًا أخلاقيًّا لا يشبه مجتمعنا على الإطلاق ولم أر له مثيلًا من قبل ..
بدأت القصة بأب لديه ولد وحيد ويتعرف على امرأة من ذوي الاحتياجات الخاصة شريدة وشبه بكماء لا أهل لها ولا علم ..أنجب منها توأمين دون زواج شرعي، عاش التوأمان بين أب وضيع وأم لا تملك إلا قلبًا مليئًا بالحب والحنان وتفتقد كل ما يؤهلها لتكون أمًا فعليّة فهي لا تملك الكلمة والفكر اللذين يعيناها على مهمة التربية..
عمل التوأمان في المدبغة -عند والدهما- كعمال دون السن القانوني للعمل ولم يكتفي الأب بذلك بل طلب منهما في إحدى المشاهد أن يبولا على أحد خصومه في الدباغة ..
ونشأ الطفلان في بيئة قذرة وأب هضم أبسط حقوقهما (الاعتراف بهما) عداك عن معاملته الهمجية لابنه البكر الرسام والحساس جدًا بالإضافة إلى والدته التي زرعت فيه الحقد والغل والتعالي والفوقية تلك القسوة التي جعلت منه شابًا غير متوازن نفسيًا، هؤلاء الشبّان الثلاثة لديهم أخت لقيطة وهي مثال حي لبنت الشارع تنهب وتسرق وتفعل كل ما يخالف الأخلاق… ومع تطور الأحداث يزداد الوضع سوءًا سلوكيًا ولفظيًا فلكل شخصية “لازمة” أصبحت “ترند” على مواقع التواصل الاجتماعي لتصبح لغة شريحة عريضة من الشباب بل قام المختصون بنشر المزيد من القبح بصوت من سموها فنانة لتجمع كل ما ذكر في المسلسل من “لازمات” في أغنية ترافقها موسيقى صاخبة ترضي ذوق الجيل الجديد وتدخل بيوتنا وتغزو وسائل التواصل وقد انتشرت الأغنية -بدعم إلكتروني- انتشار النار في الهشيم ضاربين بهذه المفردات عرض الحائط كل قواعد التربية لتحل اللغة السوقية في وجدان الناشئة مكان لغة التهذيب ولتصبح لغة طبيعية وغير مستهجنة وكي يزيد الطين بلة أحضرت الدراما ممثلين محترفين مهرة أدّوا أداء فنيًا ساحرًا ومخرجة مخضرمة متمكنة حشدت طاقات فنية وتحدت ملكات الممثلين المميزين الذين جسدوا الشخصيات بكثير من الحرفية والإبداع لتصل لغة المسلسل وأفكاره إلى أكبر قدر من المشاهدين..ولم يكتفوا بهذا بل كانت نهاية القصة المفاجئة بأن تلك الشخصيات فازت وأكملت حياتها بشكل طبيعي بينما قضى أخوهم البكر باقي حياته في مصحة للأمراض النفسية..
والسؤال هنا: أين الدراما العربية التي أنتجت “ضمير أبلة حكمت، فيلم آخر الرجال المحترمين وضد الحكومة، والتغريبة الفلسطينية وأعمال حاتم علي؟
أين الأعمال الفنية التي تسلط الضوء على مشاكل التعليم والتربية ونتائج التفكك الأسري؟
أين الفن الذي يطرح معاناة الوالدين الكادحين وانشغالهم ليل نهار في تأمين لقمة العيش وصعوبة تربية الأبناء في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وسيادة خيوط الشبكة العنكبوتية “الانترنت” وسلطة التكنلولوجيا على رقاب المجتمع؟؟
أين الأعمال التي تظهر منافع ومساوئ التواصل الاجتماعي كـ “بيت الروبي”؟
أين الدراما من كل ما جرى في المجتمع بعد الحروب والتدهور الاقتصادي وجائحة كورونا ؟
وأين النور الذي يكشف آهات الشعوب وسعيهم لإثبات وجودهم وأين الضوء الذي يكشف مرارة الهجرة والاغتراب والنجاحات والتميز في بلاد المهجر بعد أن أصبح نصف العالم العربي مهجّر؟
أين اللغة التي تربينا عليها ونحن صغار وكيف سندرب أطفالنا عليها في ظل كل هذا الانفلات الأخلاقي وتراجع الدور الرقابي للأسرة؟
من المسؤول والمستفيد من كل هذا القبح المنتشر في معظم ما تنشره الدراما العربية؟
أين الضمير؟ وأين صرخة شراة التي أيقظت نخوة المعتصم؟

من admin

فكرة واحدة بخصوص “الفن والتربية”
  1. يسعدلي صباحك يااحلى صباحاتي ربي يجبر بخاطرك ياروحي انتي افضل ماكتبتي صديقتي الغاليه عن الاخلاق وخاصة اخلاق الشباب الان في زمن الحرب وزمن قل فيه الكلام عن الاخلاق وعن كل ماتربينا عليه من فطرة سليمة وام واب مسؤولين عن كل كلمة ينطق بها لسانهم يارب يهدينا ويهدي الجميع الى كلمة حق في زمن قل فيه الحق وبعد فيه عن درب اهل الحق واليفين بان الله احسن الخالقين واحسن المبدعين في خلقه للانسان ولمن اراد ان يفهم معنى الانسانية في هذا العالم المظلم من حولنا لك الشكر والتقدير والاحترام ياسيدة الكلمات انتي ادخلتي الفرح والسعادة عا قلبي المتعب من هموم الحياة وجبرتي خاطري ربي يجبر بخاطرك ياروحي انتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *