رؤوف جندي
انبرت الأقلام والصحف تُعلِّم السوريين كيف تكون الوطنية وكيف يكون الحفاظ على الوطن وكأنهم هم من أضاعوه. نشط المحللون على صفحات التواصل وخاضوا ماراثون استعراض المعلومات وكأنهم يلقنونهم درساً في السياسة الدولية…
راح البعض يتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور فكيف يفرحون بالإطاحة بحكم الأسد ألا يعلموا ماذا ينتظرهم؟ سخر البعض منهم متهكماً كيف بلعوا الطعم بهذه السذاجة. نصَّبتم أنفسكم خبراء وصدَّعتم رؤوسهم بأن القادم أسوأ لا محالة. وزعتم صكوك الاستقرار والضياع من تحت الأغطية وأنتم مضطجعون فوق الأسرَّة تديرون حياة السوريين عبر هواتفكم المحمولة.. صحيح أن المستقبل السوري يكتنفه الكثير من الغموض. وليس معنى هذا أن يدفع الشعب وحده ضريبة الذل والهوان في أول الأمر وآخره.
أتظن يا سيدي أن الشعب السوري قد حسب كل هذه الحسابات قبل أن يخرج إلى النور؟
يا سيدي هذا شعبٌ كان حبيس قفصٍ انفتح بابُه فخرج. لم يكن يعنيه وقتها من الذي فتح الباب، تلومونه على فرحته وكأنكم تطالبونه أن يعود ويغلق على نفسه الباب مجدداً ولا يخرج إلا إذا تأكد: من الذي سيفتح عليه باب القفص؟ يا سيدي لو مرَّ قاربٌ بجوار من أوشك على الغرق فلن يتردد في أن يتعلق به، حتى لو كان من يقود القارب هو الشيطان نفسه. لماذا تعلقون الوطنية في رقاب البائسين البسطاء وتتركون الطغاة الذين أضاعوا الأوطان بظلمهم. علماً بأن الطغاة وبطانتهم الوقحة هم أول من يغادرون الوطن إن أوشكت سفينته على الغرق. فما ضاعت الأوطان التي ضاعت إلا عندما استبد الظلم وتساوت حياة المواطنين فيها مع العدم وصارت معه سواءً بسواء. ما ضاعت الأوطان إلا بحاكمٍ مستبد خلق فجوة من الكراهية بينه وبين شعبه. فجوةٌ تسللت منها قوى الشر ووجدت الأرض الخصبة لرواج أفكارهم. فجوة مارس فيها القمع والحرمان والطغيان والظلم والبطش وكل ألوان الذل والهوان …… فهان الوطن على أهله.
(بماذا تنفعني سعة العالم إذا كان حذائي ضيقاً). ماذا تنفع السوري سعة سورية إذا كانت المساحة الممنوحة له من الحرية هي طول الحبل أو السلسلة التي ربطت في رقبته بجدار الزنزانة التي يعيش فيها. بماذا ينفعه اتساعها وهو حبيس أنفاسٍ تكاد تُعد عليه وتُحصى أولاً بأول. أي وطنٍ هذا الذي كان يجب أن يخشى عليه وهو الذي جوَّعه وطرده وشرده وقمعه. أي كرامةٍ تلك التي كان من المفروض أن يحرص عليها وهو الذي يحيا في غيابات السجون يأكل في إناءٍ ويقضي حاجته في إناءٍ آخر..
يا سادة: في معادلة الطغيان يكون الشعب هو الطرف المسالم الأعزل الذي لا يبتغى إلا الحياة الكريمة الهادئة، بينما جلادوه هم من يملؤون الدنيا صخباً وضجيجاً بأصوات هراواتهم وقرع أجراس سجونهم وصرير أبواب زنازينهم وبث كراهية الحياة في نفوس المواطنين. فبدلاً من أن تلوموا الشعب السوري. ناشدوا الطغاة في كل أنحاء العالم أن يترفقوا. أن يوفروا لشعوبهم حياة آدمية. حياة على الأقل يخاف عليها المواطن ومن ثَمَّ يدافع عنها ويحافظ عليها. وليحذروا مواطناً تساوى عنده الوجود والعدم. مواطنٌ خسر كل شيء ولم يعد لديه ما يخاف عليه. فكيف تطالبونه بأن يحافظ على كرسي جلاده تفادياً للأسوأ كما تزعمون. يا سادة: حب الوطن مرهونٌ بالكرامة. ولا كرامة لوطنٍ يحيا مواطنوه على أرضه أذلاء