أ.حنان بديع

يتلذذ البعض بممارسة دور الضحية ويستمتع بتصيد الاقتباسات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تتحدث عن الإنسان المظلوم الذي لم يُقدّره أحد، ويستعذب هؤلاء مشاركة صور وفيديوهات الغدر والخيانة وأذى البشر، دون أن يدركوا أنهم هم أنفسهم ضحية أنفسهم وقراراتهم الخاطئة وأنهم قد لا يكونوا بريئين من أذية غيرهم عن قصد أو غير قصد!

يعيش معنا هؤلاء بعقلية الضحية التي تستنزفنا وتشعرنا بأننا مسؤولين عن سعادتهم وتعويضهم، هي شخصية يميل فيها المرء إلى النظر لنفسه كضحية ظروف وأشخاص، والتفكير والتحدث والتعامل كما لو كان الوضع كذلك بلا جدال.

لكن لماذا يصر البعض على العيش في هذا الثوب؟

الحقيقة أن هناك أسباب يتحدث عنها علم النفس، أولها الغضب المكبوت الذي يصعب التعامل معه فيفضلون إلقاء اللوم على الظروف أو المحيطين بدلا من تحديد الأسباب التي قد يكونوا أحدها، إضافة إلى أنها طريقة مثالية لكسب تعاطف الآخرين والحصول على الاهتمام وهي تلاعب يهدف لكسب التعاطف وإثارة دور المنقذ عند الطرف الآخر..

عادة ما يشترك من يميلون لتبني دور الضحية بعدة سمات أهمها السعي المستمر من أجل نيل الاعتراف بكونهم ضحايا وعلى الآخرين تحمل مسؤوليتهم والشعور بالذنب، كما يرى هؤلاء أنفسهم متفوقين أخلاقيا على سواهم من الأشخاص، هذا الحس بالنقاء الأخلاقي هو نوعٍ من آليات الدفاع النفسي في سبيل حفاظ المرء على صورته عن ذاته.

أما الأهم والأكثر إيذاء لمن يتعامل مع هذه الشخصية هي قلة التعاطف تجاه الآخرين، حيث يشعر من يمتلكون عقلية الضحية بأنهم ليسوا ملزمين بالتعاطف مع غيرهم، فهم منشغلون إلى حدّ بعيد بمعاناتهم الشخصية إلى درجة تجعلهم يُغفلون ألم ومعاناة الآخرين، حيث تشير الدراسات إلى أن من يمتلكون عقلية الضحية يرون أنهم قد عانوا بما فيه الكفاية بما يعفيهم من مسؤولية الاهتمام والتعاطف مع معاناة غيرهم.

كما أشارت الدراسة أيضا، إلى تفرع هذه الشخصية إلى نوعين يشتركان في السمات نفسها، فالنوع الأول واضح ويسهل اكتشافه ويمثله الشخص النرجسي التقليدي الذي يتفنن في حب المكائد، ولفت الانتباه والإعجاب لكن المشكلة تكمن في كيفية اكتشاف النوع الثاني، وهم النرجسيون السريون، الذين يظهرون على أنهم مكتئبون نوعا ما، أو محتاجون أو ضحية. لكنهم يجيدون التسلل والتسبب بشعور الآخرين بالذنب والتعاطف. وتكمن الخطورة في امتلاك الإنسان النرجسي صاحب الشخصية الضحية قوة فعالة وقدرة على التلاعب بالآخرين حين يصر على إخفاء تركيزه على تلبية احتياجاته فقط، وشعوره بالاستحقاق، وافتقاره إلى التعاطف، فيتسلل بأساليب صامتة ويلبس ثوب الضحية المحتاجة والانطوائية، مما يدفع من حوله للعب دور المنقذ الداعم لشخص يبدو ضعيفا وهادئا وجميلا جداً.

وجود هذا الشخص السام يسبب أضرارا نفسية وعاطفية كبيرة، بل ويسحب من داخلك شحنة الطاقة، يجعلك متوترا، ويفسد عليك لحظات الراحة والسعادة. لكننا غالبا ما نحاول التأقلم مع هذه النوعية من الشخصيات رغم كل ما تجلبه لنا من إرهاق وإحباط وتوتر دون أن نعي أين يكمن الخلل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *