أ.بيبو يوسف
أيحزنك غياب القمر؟
لم يكن سؤالًا فجائيًا وليد اللحظة، لقد انغمس يتأمل في ملامحها لساعات، وهي تشاهد السماء السوداء الخاوية من كل شيء وأي شيء، كالخواء الذي يأكل داخلها. نظرت إليه بنظرات فارغة من أي أمل، يعتصرها اليأس من انتظار شيء تعلم جيدًا أنه لن يأتي، وقالت:
بل يقتلني غيابه.
ولكنه لم يلاحظ أبدًا وجودك؟
تبددت ملامح اليأس ليحل محلها ملامح الاستنكار.
ما الذي تريد أن تخبرني إياه؟
كيف لم يلاحظ وجودي وقد كان كل ما أملك في هذه الحياة؟
لم يزحزحه هذا الغضب أو يجعله يتراجع عن موقفه، فقد جعله أكثر هدوءًا وتعاطفًا مع هذا الدفاع المستميت، حيث قال:
أنتِ لم تملكي القمر يومًا يا عزيزتي، لقد ظننتِ أنكِ تملكينه. لقد تعلق نظركِ بالسماء، وظننتِ من أحبكِ أو بالأحرى لنقل من أوهمكِ أنه يبادلكِ هذا الحب، أو هذا الوقت، أو لنقل هذا الحب. ولكنكِ كنتِ حمقاء، لقد كان ينظر للجميع بنفس نظرة الاستعلاء، لم يلاحظ وجودكِ، وإن كنتِ توهمتِ أنه يبادلكِ هذا الهراء…أنتِ فقط من كان بصركِ معلقًا به، أما هو فلم ينظر لكِ في يوم من الأيام.
ويا عزيزتي، الحديث ليس عن القمر الذي يسكن عاليَ السماء، بل عن قمر آخر، أقل… هذا الشيء الآخر الذي ظننته يَهُمُّكِ بوهمكِ، أو ربما لنقل – لنكن أقل قسوة – بحبكِ.
إنه قمر، وما هو إلا محاق، لا وجود له سوى في خيالكِ، لأنكِ أنتِ من أحببتِ هذا الوهم، الذي لم يكن لكِ ولن يكون لكِ في يوم من الأيام.