أ.خالد جويد

اعتدت أن أراه وهو يجلس على تلك الطاولة القريبة من نافذة المقهىكنت أتأمله من بعيد وهو يحتسي فنجان قهوته المرة وينفث دخان سجائره متأملا قطرات المطر التي كانت تسيل فوق تلك الألواح الزجاجية بكل خشوع ليشاطرها فرحة الشتاء…

كنت ألمح ابتسامته وهي تتسلل عبر تلك القطرات وتنساب فوق أسطحها الملساء كنسمات عطر تداعب بروائحها الزكية أنفاسه…

 كثيرا ما كنت أختلس النظر إليه وأنا أنتظر الحافلة في الزاوية المقابلة للمقهى لأراه يرمقني بعينيه بين الفينة والفينةويوجه من خلالها ابتسامته المعهودة.. تلك الابتسامة التي بدأت أحس أنني أتقاسم معها قطرات المطروكأنه كان يرى في تلك القطرات مرآته التي تعكس ملامح وجهي بكل وضوح…

ذات صباح اقترب مني ودعاني لأحتسي معه فنجان معشوقته السمراء.. خشيت بداية أن أخبره أني لا أحبها وأني لم أكن يوما من عشاقها لكنني كنت أخشى أن يستغرب كيف يمكن لفتاة أن تحيا دون أن تزكم أنفها رائحتها المفعمة بالحياة.. لذا وافقت دون تردد استجابة لصوت خافت كان يسري في دمي يدفعني ألا أرفض دعوته

جلست معه على نفس تلك الطاولة التي بدأت أظنها أنها كانت تتهيأ لرسم خارطتي من جديد أو باختصار كانت حاضرة لتشهد ميلادي من جديد

بدأنا نتجاذب أطراف الحديثأخذ يسألني وكنت أجيبه عن كل سؤال وكنت أتعمد أن أمسك فنجاني أمام نظراته لأوهمه أنني أعشقها كما يعشقها هو رغم أنني كنت أكتفي بأن يلامس بنها فمي لأظهر له عميق حبي لها

وفي منتصف الحديث أو دعني أقول في منتصف الفنجان رفع بصره وأطلق العنان لعينيه لتتأمل عيوني.. أحسست حينها بوقع سهام نظراته في قلبي لكنني لم أكن مهيأة لكي أحدق في عينيه.. لم تكن لدي الجرأة…. أطرافي كانت ترتعش وأنفاسي تواجه غربة من نوع آخر ودون سابق مقدمات قال لي. أتعلمين…؟ أنا أحبك…

لا أدري في لحظتها كيف أصبح للقهوة رائحة أخرى تشبه رائحة الياسمين…    

لا أدري كيف أحسست أن تلك القطرات التي كانت تتسلل فوق تلك الألواح الزجاجية لنافذة المقهى قد غيرت مسارها لتتسلل في أوردتي كحديقة من الزهر…

 كيف تلاشت أمام خطاي كل تلك الدروب التي كانت تربطني بالأرضكيف أحسست بدفء نظراته تتسلل لشرايينيوبحروف كلماته تحملني فوق الغمام كأجنحة الطير بعيدا عن أعين البشر…

خرجت من خجلي مسرعة…. عدت لمنزلي ووضعت ركوة القهوة على النار وتركتها تغلي وأنا أراقب كيف شكلت رغوة بنها حروف تلك الكلمة التي عشقت ترانيم همسها ومع كل فنجان كنت أرشفه  شعرت أنني أعيد لمسامعي صدى تلك العبارة التي جعلت للقهوة منذ تلك اللحظة مذاقا بنكهة الحب ورائحة  تشبه بنسائمها عطر تلك اللحظات…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *