أ.حنان بديع

حجمُ الظلم الطاغي على العالم اليومَ أكبرُ مما يمكن احتمالُه، ظلمٌ يجعل من العدالة حلمًا للبشرية يصعب تحقيقه، هذه الوحشية التي ينقلُ الإعلام اليومَ جزءًا طفيفًا منها، تجعلنا نتأكد من أنَّ المخفي ربما أعظم بكثير.

ثم يُلحُّ ذلك السؤال: تُرى ما الذي يدور في رؤوس هؤلاء الجنود؟ لماذا يبدون وكأنهم لا يملكون أي بذرة خير في نفوسهم أو شعور بالرحمة والتعاطف ثم ماذا عن المبادئ الأخلاقية؟

إنَّ أكثر القضايا التي يمكن تصور وحشية الإنسان تُجاه الإنسان، وتثبت تجرده من إنسانيته هي القضايا السياسية، وذلك لأن الحروب تبدأ أولًا في العقول والنفوس ثم مع الوقت وتَوَفُر الظروفِ المناسبة تتجسدُ على أرض الواقع، هذه الحروب التي تجسدُها أعمال العنف والتعذيب الوحشي تنتمي بجُملتها إلى المرحلة «الحيوانية» في تطور الجنس البشري.

وقد يبدو الحيوانُ اليومَ كائنًا بريئًا أمام توحُش البشر الذي يثبت يومًا بعد يوم أن التوحش لم يكن مرحلة بدائية في تاريخه وإنما طبيعة متأصله في تكوينه…

 أما كيف؟ ولماذا؟ فلأنَّ النفس أمارة بالسوء. هذه النفس هي التي تصور للإنسان أنه الأفضل والأقدر والأكثر حكمةً وسياسةً وذكاءً، وبالتالي يتعينُ عليه أن يحصل على الاعتراف من الآخرين بذلك، وإن لم يفعلوا ينبغي عليه أن يُخضعهم. وهي تسوغ له ذلك باعتباره أمرًا مشروعًا، بل وعادلًا. هذا التغيُر الذي يحدث في بنية الإنسان العقلية والنفسية تجعل منه كائنًا متوحشًا يطمح إلى أن يكون إنسانًا!

ربما هذا ما حدث ويحدث مع حوادث التعذيب الوحشي التي تشهدُها المُجتمعات في صراعاتها السياسية، إنَّ مُنفذ التعذيب بعد شحنه بفكر مُعين وعواطف وأحقاد خاصة يشعر بأنه يؤدي خدمة خاصة للسلطة التي يحترمها أو يهابها أو للأيديولوجيا التي يؤمن بها.

وهذه السلطة قد تكونُ الحكومة، أو الطائفة أو الحزب أو الجماعة الدينية، وخصمه من الطائفة الأخرى سيصبح في نظره «غير إنساني»، وبهذا يمكن تعذيبه وتدميره تدميرًا تامًا دون أي أدنى شعور بالذنب.

يقول دوستويفسكي: يتحدثُ الناسُ أحيانًا عن قسوة الإنسان الوحشية، لكن هذا ظلم بشكل رهيب ومسيء للوحوش، فلا يمكن لأي حيوان أن يكون قاسيًا مثل الإنسان!

أظنهُ كان على حق، فمثلا قتل النمر للإنسان يحدث لإشباع حاجاته الفطرية، أما قتل الإنسان للإنسان فيحدث لإشباع رغباته غير الإنسانية.

إنها حقيقة، لا يمكن لأي حيوان أن يكون قاسيًا كالإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *