أزمة الخطاب
إنَّ المواضيع التي يمكن أن نتحدث عنها في تقهقر واقعنا ومشاكله هي كثيرة، والقضايا الملحّة التي تحتاج أن نطرق أبوابها وأن نفتح سجلاتها وفيرة، والمستجِدَّات التي طرأت على سورية في هذه الفترة الأخيرة لا عدَّ لها ولا حدّ.
ومن القضايا المُلحَّة القديمة الجديدة، قضية جوهريَّة أساسيَّة هي الخيط الناظم لكل قضايانا، وفي ثناياها ترياقٌ شافٍ لكلِّ أزماتنا ومشاكلنا وهي أزمة الخطاب
هناك أزمة خطاب سياسي، وخطاب وطني، وأزمة خطاب ديني
إنّ فشلنا أمام أعدائنا منّا وليس منهم .. لا من قوتهم .. ولا من قدرتهم .. ولا من تخطيطهم .. إنما من عجزنا إلى هذا اليوم من أن نصنَع مشروع داخلي وطني وبنية داخلية قوية، وأن ننجح في بنائه حتى يتم، دون أن نسمح بأن يُطوَّق أو يُحاصر أو يخنق أو يُباد وهو في خطواته الأولى.
وعوضاً عن الاكتفاء بالعمل الوطني بالبيانات واللقاءات والعلاقات دون أن نهتم مع الأسف ببناء قوي داخلي متماسك متعافي.
أو نبني لكن بطريقة غير مهنية ودون خطوات منطقية جادة، ودون عمل دؤوب ودون خطاب منفتح على الآخر يجمع الناس ويعزز لغة التكامل والتعاون، ويقر بشركائه في الوطن.
لذلك أقول: إن الخطاب الذي كان سائداً وطريقة إدارة شؤوننا لأنفسنا هي أكبر أزماتنا وأخطر عللنا.
فخسرنا الكثير نتيجة الخطاب السياسي والعسكري وحتى الديني الذي قدمناه.
وإننا نوقن يوماً بعد يوم بأن الأزمة ليست في قوة وقدرة وتخطيط ومكر وأدوات وعتاد الأعداء أبداً، إنما دائماً تنبُع الأزمةُ من ذاتنا، ونحن إلى الآن لم ننضج بعد لما نحتاج، ولم نعِ، ولم نستوعب بَعدُ ما يجب علينا عمله

وإننا نتحدث عن أزمة الخطاب لأن الخطاب هو ترجمان المشاريع السياسية والعسكرية التي نحمل، فالتي يطرحها البعض، فبقدر نجاحنا في خطابنا المُعبِّر عن مشروعنا سيكون المشروع واضحاً في الأذهان
( من ألِفه إلى يائه ) وبالتالي سيكون العمل له صحيحاً .
فما من مشروع ينطلق ولا تُعرفُ نهايته عند بدايته إلا وسيكون مشروعاً فاشلاً وسينتهي، فلا بدَّ أن يكون واضحاً في الأذهان من الألف إلى الياء فعندما أقول ألِف يجب أن أعرف أين الياء، فلا يكفي أن تعرف ماذا تريد، ولكن كيف ستحقق ما تريد.
إن القضية ليست من خصومنا أياً كانوا ومهما كانوا.. سواء خصوم الداخل أو الخارج، وفي الداخل لنا خصوم وفي الخارج خصومنا أكثر.
لذلك حينما نقول: إنَّ الإشكالية هي أزمة خطاب، فأنا أعني بأن المشروع يحتاج إلى خطاب يترجمه، فإذا كان الخطاب يضمّ مشكلة فإنه سيصبح مشكلة عند المخاطَب، وبالتالي إذا صارت مشكلة عند المخاطَب سينعكس هذا الإشكال على المشروع والقضية التي تحملها وتدافع عنها، وبالتالي لن ينجح مشروع لا يقوم على أصول صحيحة.
فلذلك يجب أن نعي هذا ونفهمَه جيداً، ولكن علينا أن نعرف متى نعمل، وكيف نعمل، ومع من نعمل، وما الذي ينبغي عمله والتركيز عليه.
وتغيير أدواتنا أو وسائلنا أو أساليبنا كل هذا جزءٌ من لزوميَّة مشروع التغيير حتى ينجح، فلا ينجح مشروع التغيير بالأمنيات والرغبات والخطابات العاطفية مالم نواجه واقعنا وحقيقته وبنيتنا الداخلية وهشاشتها لنعزز بنياننا الداخلي وهذا الذي يعطينا قوة خارجية واحترام وحضور، ولكن التركيز اليوم يكون للبيانات واللقاءات فلا سياسة خارجية ناجحة دون سياسة داخلية ناجحة ودون خطاب جاذب، ومقنع، وسياسي للداخل والخارج.

عثمان آغا

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *