قراءة في رواية غيابات الجب
كتب هذه الرواية ذات الأحداث الحقيقية الكواكبي الحفيد، ليس حفيد النسب البيولوجي، وإنما حفيد الفكر والمنهج والاهتمام والاستشهاد الدائم بالكواكبي عبد الرحمن الذي أطق عليه العقاد في كتابه عن الكواكبي فقال: هو جان جاك روسو الحلبي السوري، وهكذا حفيده الفكري مؤلف رواية غيابات الجب الدكتور جمال طحان، الذي ديدنه مقارعة الاستبداد بالكلمة والقلم والعمل ودفع ضريبة ذلك بالسجن رغم المرض فتحدث في روايته عن ظروف اعتقاله وتوسع بالحديث عن السجن والعذاب وجهل السجانين وتوحشهم وانسلاخهم عن الإنسانية، فهؤلاء بالصورة صورة بشر لكن حقيقتهم متوحشة، فجسّد المؤلف بحروفه صورة مرئية عن السجن وأوصافه وحال السجناء والمعذبين صباح مساء، وحاله في المنفردة وكل ما ينتهك كرامة الإنسان تحصل في سجون النظام، إضافة إلى العذابات والآهات التي لم تتوقف يوماً منذ اعتلى الأسد الأب والبعث سدة الحكم.
وكيف بقي المؤلف تائهاً في أي فرع أمن هو مسجون، هل في الأمن العسكري أو غيره، إلى أن علم أنه في أقبية المخابرات الجوية سيء الصيت وتوسط العلماء ومحافظ حلب بوقتها من أجل إطلاق سراح أحد أبرز مثقفي حلب ومحبيها وهو الكواكبي الحفيد الأستاذ جمال طحان.
كما أسهب الدكتور جمال بحروف عذبة في وصف حلب وأذقتها والأماكن التي ولد وعاش فيها المؤلف الكواكبي الحفيد، فحديثه عن منطقة باب الأحمر حيث الحمام التاريخية قرب قلعة حلب، القلعة التي هي وجدان الحلبيين وذاكرتهم وصورتها تزين بيوتهم ومكاتبهم فهي الرمز التاريخي لهذه المدينة المأهولة عبر التاريخ.
كما تحدث الكواكبي الحفيد بحب جم عن الحاج بشير صباغ – رحمه الله وهذه الشخصية الحلبية الرائعة المحبوبة ووقف عندها، وتحدث على مبادرة نداء من حلب لأجل الوطن، وذكر أبرز ذكرياته لاسيما في النضال السياسي مع كل زملاؤه وأصدقائه.
وحديثه عن خير الدين الأسدي وعشقه لحلب وموتته المحزنة وقبره المجهول وهو الذي عرّف حلب وعشق حلب وأرّخ لها.
تعيد الرواية لأذهاننا وتذكرنا بحال المعتقلين وعذاباتهم، وتصلح الرواية لأن تصنف أيضاً من أدب السجون، هذه المدرسة اليوسفية الذي دخلها يوسف عليه السلام مرتين مرة عبر أخوته في غيابات الجب ومرة بأمر ملك مصر لينعم بعدهما يوسف بالمكانة والسيادة والحكمة.
تتمتع الرواية بثراء متنوع عن وصف حلب وعن محنة السجون وعن قصة حب صديق المؤلف سراب وهي حزينة النهاية.
وعن حال الثورة السورية ببدايتها والانفجار المجتمعي الكبير الذي حصل وافتقار الشارع للوعي والحكمة وعن دور المثقفين فيها.
وبقراءة الرواية وما فيها من آلام، لأنها حقيقية ولدت من محنة كاتبها وآهاته إلى يوم نجاته، تحتم علينا العمل لخلاص سورية من هؤلاء المتوحشين ليتوقف هذا الظلم عن هؤلاء المعذبين وتتوقف هذه الآهات بلحظة زمنية ما.
وهذا دورنا جميعاً، فلا يجدي البحث عن الخلاص الفردي وكلنا تقع علينا نتائج السياسة في سورية حتى المبتعد عنها كلياً وهذا ما ذكره المؤلف عن الكثير من الناس ممن لا علاقة له بسياسة أو عمل وطني كيف تم سجنه وعُذب لمجرد أدنى شبهة أو شك أو حتى تقرير كائد.
فنتائج السياسة تقع على السوريين في كل مكان في سورية أو دول اللجوء
نأمل للمؤلف طول العمر والسلامة والشفاء من مرضه الذي يرافقه وتحدث عنه مراراً ولعل الانفراج والخلاص لسورية يداوي كل الجراح ويعزينا بكل الفقدان.

زكريا ملاحفجي

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *