بشير قوجة

في خطوة غير مسبوقة أصدر “عبد الله أوجلان” الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني (PKK)، رسالة تدعو إلى التخلي عن السلاح وحل الحزب.
تأتي هذه الرسالة في توقيت حساس حيث تعيش تركيا تحولات سياسية داخلية وتتزايد الضغوط الإقليمية على الأكراد، فما الذي تعنيه هذه الرسالة؟ وهل تعبر عن قناعة حقيقية بضرورة إنهاء الصراع المسلح، أم أنها مناورة سياسية ضمن ترتيبات أوسع؟

تحليل الرسالة بين الواقعية السياسية والتغيرات الإقليمية

  1. إقرار بتغير الظروف الدولية والمحلية
    يشير أوجلان بوضوح إلى أن حزب العمال الكردستاني وُلد في ظل بيئة اشتراكية واقعية، ومع انهيار تلك المنظومة فقد الحزب مبررات وجوده. هذا إقرار بأن الزمن قد تجاوز الخطاب الأيديولوجي الذي استند إليه الحزب لعقود.
  2. التأكيد على ضرورة الحل الديمقراطي
    يؤكد أوجلان أن الطريق الوحيد لضمان الحقوق الكردية هو عبر الديمقراطية وليس عبر العنف أو الحلول القومية الراديكالية مثل الانفصال أو الفيدرالية. هذا تحول جوهري في الخطاب السياسي للحزب حيث كان تاريخيًا يتبنى فكرة الحكم الذاتي الموسع.
  3. الإشارة إلى تحولات في الموقف التركي
    ذكر أوجلان أن مبادرة التخلي عن السلاح تأتي استجابةً للمناخ السياسي الحالي في تركيا، بما في ذلك موقف دولت بهتشلي (زعيم حزب الحركة القومية) والرئيس التركي.
    هذا يشير أيضا إلى أن هناك ديناميكيات جديدة قد تكون خلف الكواليس تدفع باتجاه حلحلة الصراع الكردي.
  4. الدعوة إلى مؤتمر لإنهاء الحزب
    يعد اقتراح عقد مؤتمر لحل الحزب سابقة خطيرة في تاريخ التنظيمات الكردية المسلحة، فهذه الخطوة إن تمت ستنهي واحدًا من أطول النزاعات في تاريخ تركيا الحديثة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك إجماع داخل الحزب على هذا القرار، أم أن القيادة الميدانية ستعارضه؟

أما أبعاد ما جاء سياسياً..
فترى الحكومة التركية أن هذه الرسالة تأتي في وقت يسعى فيه الرئيس أردوغان إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي الداخلي، من الممكن أن يكون هناك اتفاق غير معلن بين أنقرة وأوجلان لإطلاق هذه المبادرة مقابل امتيازات معينة، مثل تحسين ظروف اعتقاله أو حتى التمهيد لمفاوضات جديدة مع الأكراد.

حزب العمال الكردستاني من غير الواضح ما إذا كانت القيادات الفعلية للحزب، وخاصة جناحه العسكري في جبال قنديل ستستجيب لهذه الدعوة. هناك سوابق تاريخية لتمرد القيادات الميدانية على قرارات أوجلان، كما حدث في 2013 عندما تم تجاهل اتفاق وقف إطلاق النار.

اما عن الأكراد في سوريا والعراق فإن أي تفكيك لحزب العمال الكردستاني سيؤثر مباشرة على الجماعات الكردية المرتبطة به في سوريا (قوات سوريا الديمقراطية) والعراق (حزب الاتحاد الوطني الكردستاني).
وهذا قد يفتح الباب أمام تدخلات تركية أكبر في شمال سوريا والعراق.

القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا قد ترحب بهذه الخطوة باعتبارها تساهم في استقرار تركيا والمنطقة، لكنها قد تثير مخاوف حلفاء واشنطن الأكراد في سوريا الذين يعتمدون على حزب العمال الكردستاني كمرجعية أيديولوجية وتنظيمية.

ماذا بعد؟
رسالة أوجلان قد تكون بداية لمرحلة جديدة، لكنها لا تعني بالضرورة نهاية الصراع الكردي التركي، فنجاح هذه المبادرة يعتمد على عدة عوامل، منها رد فعل الجناح العسكري للحزب، واستجابة الحكومة التركية، ومدى قبول المجتمع الكردي لهذا الطرح.
إذا تم تنفيذ هذه المبادرة، فقد نشهد تحولات كبرى في السياسة التركية والكردية على حد سواء، وربما تكون هذه الرسالة بداية نهاية فصل طويل من النزاع المسلح، وبداية فصل جديد من الصراع السياسي.

لكن يبقى السؤال الأهم: هل سيتجاوب حزب العمال الكردستاني مع دعوة أوجلان، أم أن الصراع سيستمر بأشكال جديدة؟
في الشرق الأوسط، لا شيء ينتهي بسهولة، وما يبدو أنه إعلان نهاية قد يكون مجرد بداية لمرحلة أخرى من الصراع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *