أ. ملك توما

” مالئة الدنيا وشاغلة الناس ” هكذا يمكننا أن نوصف الحالة السياسية السورية على مدار سنوات مضت، تستقطب أشكالاً نزاعية سيكوباتية معقدة ، دوامة من العبث في المكان ، تستدعي سلوك دولي يحمل اصطفافات دبلوماسية وسياسية تكون في المواقف الحرجة مفهومة أو غير مفهومة والمناورة في اللاحل و قوارب لاجئين في البر والبحر ومواطن بسيط لا يجد قوت يومه .

رسخ السلوك الدولي انطباعاً ظاهره بأن العطب لا يمكن إصلاحه على المدى القريب في سوريا وإبقاء المجريات بكل سرديتها المعقولة وغيرالمعقولة، لكن أحاديث الحدائق الخلفية للدول المعنية في عمق الملف السوري كانت كفيلة في كيفية ما أن تقضي تماماً على الأحقية الزمنية لنظام بائد وإنهاء مسرحيته الدموية، حيث لا عدو دائم ولا صديق دائم ولكن هناك انزياحات مستمرة تراوح ما بين المصالح والسيناريوهات ولكن الشعب مرابطاً على ثغورالأمل بأن النصر لأصحابه الثائرين .

ماذا يحدث منذ الثامن من ديسمبر حتى الآن ؟

بعد مرور شهر كامل بدون بشار الأسد وكل ما يمد لمنظومته الدموية بصلة ، نجد بأن المناخ الداخلي في سوريا يستعد تباعاً لدخول في سيناريو يرسم ملامح المستقبل السوري، فإدارة العمليات العسكرية هي اليوم من تمثل الصف السياسي الأول في حكومة تصريف الأعمال ، وتدير عملية التحول من الثورة إلى الدولة إلى المرحلة الانتقالية شيئاً فشيئاً

وسط حركة سياسية ومدنية واسعة من النخب السورية الثورية بكل أطيافها ومحدداتها الفكرية والإيديولوجية كانت ناشطيتها خارج سوريا بوصفها معارضة لنظام الحكم الفاجر، واليوم هي ذاتها المعارضة بكتلها تعمل وتتحدث وضح النهار من قلب العاصمة دمشق ومن قلب كل المدن السورية .

في المقابل نجد تفاعلاً إقليمياً واهتماماً دولياً بالغاً يراهن على الحالة السياسية ويحث بمساعي جدية ليصبح الوضع الجديد حجر أساس يبني توافقات سياسية واسعة الطيف وطاولة دبلوماسية تبارك المرحلة لأن الملفات العالقة هي مقدمة لتسويات نزاعات وتحقيق مبادرات وخلق نموذج وطني صحي يضاف إلى أدبيات بناء السلام في الفكر النظري السياسي .

وبالانتقال إلى الواقع العملي: ( الأمن وإنفاذ القانون) معضلة الحقبة الحالية فهناك إرث من الانتهاكات على كافة المستويات الإنسانية والعسكرية خلال السنوات الماضية،  ما يحتاج بالتأكيد إلى تحديد خريطة الفاعلين الرسميين والغير الرسميين من جهات وهيئات حقوقية واستخباراتية وهذا ما يؤسس المسارات اللاحقة التي يجب العمل عليها.

ومن زاوية أخرى تجد علاقة وطيدة مابين الأمن وإنفاذ القانون في العديد من المرتكزات نتناول أهمها أولاً : لا يمكن كتابة دستور في ظل بيئة هشة أمنياً. ثانياً: عمليات ضبط السلاح الغير المنظم هي حتمية لا مفر منها فهي تماماً باب كباب جهنم يفتح الانتقام الشخصي والتصفيات الفردية في الليل والنهار للشخصيات الوطنية و فواعل الوساطة و الحوار وبناء السلام المحليين و يضاف أيضاً الكتاب والصحفيين ومناصري القضايا المحلية الحالية و أصحاب الأموال و المشاريع الاقتصادية ، ثالثاً : لا يمكن التهاون في الحديث عن إفلات العقاب لمن هم شركاء في خلق الحالة الوحشية من العنف والقتل والتعذيب في الوطن السوري إبان حكم الأسد البائد ، رابعاً: في ظل عدم الإحاطة بجوانب الحلول الأمنية و القانونية من المحتمل أن تكون نسب اللاجئون العائدون منخفضة مقارنة بالأعداد التي تقدر بالملايين خارج سوريا إلى أوطانهم مجدداً للمساهمة في الحياة السياسية و المشاركة في الانتخابات الانتقالية ، خامساً : فتح قضايا التنمية والاستثمارات وإعادة الإعمار يعتمد بشكل شكلي على الهيكلية القانونية والمنظومة القانونية المعمول بها في بنية الدولة الجديدة و هذا يحتاج على جهود حقيقية تجد حظوظها بطريقة واضحة في النور .

ما يترافق مع هذا التحديد من دليل عمل يحقق ظواهر مرحلية يمكن أن يعول عليها” لملمة العنف السياسي ” لأن العمل في المخاطر ليس ودوداً والانقلابات والانتكاسات احتمالية انعكاس شبحها تزداد في عدم اليقين السياسي، وحتماً تصبح  أقل احتمالية في النهج التشاركي الذي يتيح مساحة آمنة وعادلة للجميع ، حيث تبنى الأنسنة في المؤسسات والسياسات وترمم الفجوات التي تركتها الوحشية الممنهجة ويبدأ ظهور التعافي على ملامح هذه الجمهورية ، ضمن محددات عقد اجتماعي جديد .

التعافي الديمغرافي للمنطقة :

سنوات والأجندة الإيرانية تهدد السلم الإقليمي في المنطقة وتنشر”  فواعل تقاتل عبر أجندة دينية متطرفة تحمل سلاح يقتل على أساس طائفي بلا أي رادع أو محاسبة ”  استطاعت من خلال عقد تحالفات سياسية ، وتمت التوطئة مع النظام السابق لتترك الباب على مصراعيه تفعل ما تشاء من استيطان وتهجرالسكان الأصليين، وخلق أزمة ديمغرافية والاستقواء على البيئة المحلية التي بقيت تحت سيطرة الأسد ولكن ورقة التوت التي كانت تستر إيران البارحة قد توارت اليوم ، مع الأحداث التي توالت التي أسقطت نفوذها في لبنان وغزة وسقوط نظام الأسد الأخير الذي أطاح بعرش قوتها الإقليمية إلى دولة مزعجة غير مرحب بها على الإطلاق بعد أن كانت لها الحصة الأكبر في انتهاكات حقوق الإنسان في مستويات غير مسبوقة .

تعود الناس بعد هذا العناء الطويل من التغلغل الإيراني على الأرض و الغزو الروسي للسماء، حيث لا خوف اليوم ولا ترقب. وتدريجياً تسترجع المواقع وما  بقي من ممتلكاتها وبيوتها القديمة الذي لم تطله يد القصف، ويعود إلى أرضه من كان يسكن الخيام في الأردن ولبنان في إشارة للعدالة الإلهية التي أعادت مالم يحسب يوماً بأنه سيرد ، وتأخذ العراق الحذر من مصير مشابه و تعود إلى لترتيب أولوياتها كدولة شريكة في إحلال الأمن و الاستقرار في المنطقة.

في سياق المنطقة حيث  تعتبر  الجمهورية التركية بمواقفها الرسمية الجادة تجاه قضية الثورة السورية على مدار السنوات الماضية حين تخلى عن السوريين و السوريات القاصي و الداني ، اليوم أعلنت عن عودة العلاقات الدبلوماسية والسياسية  على أعلى مستوى بين البلدين ، فهي بلا شك الحليف الأكثر دماثة في ظل تخلي القريب و البعيد عن الشعب السوري في نضاله ضد نظام الأسد، وأعلنت مبادرة الحل السياسي في سوريا في كل الأوقات منذ اندلاع المظاهرات السلمية عام 2011 ، و عليه نجد بان الحقيبة التفاوضية لتركيا لن تتخلى أبداً عن إنتاج كروت لكل وقت بوصفها من  دول ذات القدرة تفاوضية ودبلوماسية المهمة في المنطقة و تعتبر قطر أيضاً شريك تفاوضي مهم في الحالة السورية خاصة و الحالة الإقليمية بشكل عام ، فعلى  طاولة  حل النزاعات المستديرة استطاعت فك استعصاء لنظام حكم موغل في الوحشية و الطائفية والتعالي، بما لديهما من تأثير على أكثر ملفات الإقليمية إجراماً في العصر الحالي ، والذهاب مع القوى السياسية و المحلية السورية الحالية إكمال مابدء به المشهد منذ 27 نوفمبر إلى أفضل صيغة يمكن أن تحمي سوريا و تعيد بناءها مجدداً .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *