فتون خربوطلي

مع احتمال حدوث تغيير سياسي في سوريا بعد أكثر من عقد من الصراع، تبرز ألمانيا كإحدى الدول الأوروبية الأكثر اهتمامًا بمستقبل البلاد. هذا الاهتمام لا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة لعوامل إنسانية، سياسية، اقتصادية، وأمنية تجعل استقرار سوريا بعد سقوط نظام الأسد أولوية لألمانيا وأوروبا بشكل عام.

تستضيف ألمانيا أكثر من 800 ألف لاجئ سوري، مما جعلها الدولة الأوروبية الأكثر تأثرًا بأزمة اللجوء. بعد سقوط الأسد، ستكون هناك فرصة لإعادة بعض هؤلاء اللاجئين إلى وطنهم، لكن ذلك يتطلب بيئة مستقرة وآمنة في سوريا. لذلك، ستسعى ألمانيا لدعم عمليات إعادة الإعمار، المصالحة، والاستقرار السياسي لضمان عودة كريمة وطوعية للاجئين، بدلًا من استمرار التحديات المرتبطة باندماجهم داخل المجتمع الألماني.
فسوريا بعد الأسد ستحتاج إلى عملية إعادة إعمار واسعة النطاق، وهنا يمكن لألمانيا أن تلعب دورًا محوريًا من خلال دعم مشاريع التنمية والبنية التحتية. الشركات الألمانية ستكون مهتمة بالمشاركة في إعادة بناء الاقتصاد السوري، خاصة إذا تم توفير بيئة سياسية شفافة ومستقرة. لكن ألمانيا ستشترط أن يكون دعمها مشروطًا بالإصلاحات الديمقراطية وضمانات لعدم تكرار الفساد الذي كان سائدًا في عهد الأسد.
خلال الصراع السوري، لعبت روسيا وإيران دورًا رئيسيًا في دعم الأسد. لكن بعد سقوطه، قد تسعى ألمانيا، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، إلى تقليل النفوذ الروسي والإيراني في سوريا، والعمل على دعم حكومة جديدة أكثر استقلالًا. سيكون لألمانيا مصلحة في تعزيز علاقاتها مع القوى الديمقراطية في سوريا الجديدة لمنع وقوع البلاد في قبضة نفوذ غير غربي
تدرك ألمانيا أن أي اضطراب في سوريا بعد الأسد قد يؤدي إلى موجة جديدة من اللاجئين، خاصة إذا حدث فراغ أمني أو نشأت صراعات داخلية على السلطة. لذلك، ستعمل برلين على دعم الحلول السياسية التي تؤدي إلى انتقال سلس للحكم، مع تقوية مؤسسات الدولة لتجنب الفوضى التي شهدتها دول أخرى بعد سقوط أنظمتها، مثل العراق وليبيا.

لطالما انتقدت ألمانيا سجل النظام السوري في حقوق الإنسان، وبعد سقوط الأسد، ستكون برلين في طليعة الدول الداعمة للتحول الديمقراطي في سوريا. هذا يتماشى مع السياسة الخارجية الألمانية التي تدعم حقوق الإنسان والحكم الرشيد، لا سيما في الدول الخارجة من النزاعات.
ومنه فإن اهتمام ألمانيا بسوريا بعد سقوط الأسد سيكون مدفوعًا بمصالحها الإنسانية، الاقتصادية، والأمنية. فهي ترغب في ضمان عودة اللاجئين، المساهمة في إعادة الإعمار، تقليل النفوذ الروسي والإيراني، ومنع أي انهيار قد يؤدي إلى عدم استقرار طويل الأمد. لذا، من المتوقع أن تلعب برلين دورًا رئيسيًا في دعم سوريا الجديدة سياسيًا واقتصاديًا، بشرط أن يكون هناك مسار واضح نحو الديمقراطية والاستقرار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *